الرضا الوظيفي وأثره على الانتاجية وعلى تطوير الأداء
April 12, 2024
اختلفت نظرة الناس للمقاهي ودوافع زيارتهم لها اليوم، وصارت تتجاوز شرب القهوة. يقصد الناس المقاهي اليوم للدراسة أو العمل، واللقاءات، والتجمّعات، والهوايات!
أصبح سوق المقاهي اليوم واحد من أكبر القطاعات وأكثرها نموًا وزيادة في الطلب في المملكة. تجاوز الاستثمار في قطاع المقاهي والمطاعم أكثر من ٢٢١ مليار ريال سعودي! وحسب إحصائيات وزارة التجارة في المملكة: قفز عدد السجلات التجارية للمقاهي في السعودية ١٠ آلاف بين عامي ٢٠١٧ (٥ آلاف) و٢٠٢٠ (١٥ ألف).
مع هذا العدد من التصريحات، والمقاهي، وتوسّعها وانتشارها في كل حارة وشارع (في المدن الرئيسية خصوصًا)، هل مازال في سوق المقاهي مكان لمقهى جديد؟ ولا راحت عليك؟
إذا بنتكلم عن مدن كبرى مثل جدة وأبها والدمام مثلًا، فاحتياج السوق لازال واضح. لكن لو أخذنا الرياض مثلًا، اللي يتجاوز عدد سجلات المقاهي التجارية فيها في ٢٠١٩ أكثر من سبع آلاف! وإذا أنت مركّز اليوم: عدد المقاهي في الرياض يتجاوز هذا الرقم.
إذا نظرنا لوجهة المملكة في السنوات القادمة، فبرنامج جودة الحياة من رؤية ٢٠٣٠ يهدف لرفع عدد المقاهي إلى ١٠٣٢ مقهى لكل مليون شخص في المملكة بحلول عام ٢٠٣٠. وبحسب كلام رئيس اللجنة الوطنية لريادة الأعمال باتحاد الغرف السعودية ورئيس لجنة ريادة الأعمال بغرفة الرياض رياض الزامل للعربية في نهاية عام ٢٠٢١: “ما زلنا أقل من المعدل العالمي بالنسبة لعدد الكوفي شوب مقارنة بعدد السكان”.
الفاصل هو إن المكان اليوم صار فيه تحدّي أكثر وتنافسية أعلى. ماعاد يكفّي تفتح مقهى يقدّم قهوة مختصة لأن خيارات القهاوي المختصة صارت كثيرة، ولا يكفي يكون الديكور جميل أو مميز لأنها أيضًا نقطة صارت موجودة -وتعتبر أولوية- عند معظم المقاهي الجديدة.
يفتح في الشهر الواحد عدد من المقاهي، بس في الأخير يتداول الناس أو يزورون أماكن معيّنة فقط. يعني النصيب غير متكافئ للجميع!
والفاصل في استيعاب السوق لمقهى جديد هو هوية المكان.
تجمع الهويّة كل العوامل اللي توصّل رسالة الفرد/المكان/المنشأة. وإذا تحدثنا عن مقهى، فهوية المقهى تتمثل بشكل أساسي في نقطة القوة/الاختلاف. ايش هو الشيء المختلف والمميز عندك؟ هل هو نوع القهوة؟ أو بيئة المكان؟ أو خدمات إضافية مثل غرف العمل أو متجر جانبي يبيع نباتات أو قرطاسية مثلًا؟
بعد ماتحدد هذه النقطة، المفترض إن بقية العوامل المكوّنة للهوية تكون داعمة لهذه النقطة لتظهرها وتوصّلها بأكثر من طريقة. هذه العوامل تشمل:
تقدر تعرف جزء كبير من هوية تنفس من الاسم فقط، وتكتمل الصورة بعد ما تشوف صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والمكان، والخدمات المقدمة!
كل المعطيات السابقة (اللي غالبًا بتحصل عليها قبل زيارة المكان) بتعطيك فكرة واضحة عن تنفّس: مكان يخدم رسالة. بعد حضورك للمكان، بتتعرّف أكثر على رسالة المكان: الاستدامة، ودعم البيئة.
بدأ تنفس رسميًا في نوفمبر ٢٠٢٠، وكانت ٢٠٢١ أول سنة تشغيل. رسالة وفكرة تنفس بسيطة وواضحة: رفع مستوى اطلاع المجتمع عن الاستدامة، والتقنيات صديقة البيئة من خلال مقهى.
هذي الرسالة كان المحفّز لها هو تجربة مؤسيين تنفس، حيث عاشوا عدد من السنوات في الخارج وجرّبوا بأنفسهم أسلوب الحياة اللي يركّز على الاستدامة ويهتم بجوانب المحافظة على البيئة. من هنا، انتبهوا لفجوة مجتمعية (قلة الوعي بالمحافظة على البيئة). موضوع الاستدامة وإعادة الاستهلاك موضوع يكثر الحديث عنه عالميًا، وشبه ينعدم الاطلاع فيه محليًا مع إنها واحدة من أساسيات رؤية المملكة ٢٠٣٠.
طيب، الآن الفجوة اللي لامست جانب يهتم فيه المؤسسين واضحة، والحاجة لحلّها أيضًا واضحة: قلة الاطلاع يحتاج زيادة وعي.
قرّر تنفّس تحقيق هذا الهدف من خلال شيء “سائد في المجتمع”. شيء متعارف عليه ويجذب الناس ويقدرون من خلاله يقدّمون رسالتهم ويطبّقونها، وكانت أفضل وسيلة هي إنشاء مقهى/مكان يتجمع فيه الناس ويخدم غايتين:
١. توفير منتجات وعرض تقنيات داعمة للبيئة تحفّز الأفراد والشركات لتنفيذها.
٢. رفع وعي المجتمع عن البيئة، وتوفير مكان يخدم الفئات المهتمة في هذا الموضوع.
تنفّس يعرض خيارات تدعم استدامة البيئة بشكل جميل بصريًا، ويخدم رسالة معنويّة واضحة، وقابل للتطبيق سواءً على الصعيد الفردي ( مثل الأشجار، والإضاءة بالألواح الشمسية) أو على صعيد الشركات ( مثل خدمات إعادة التدوير).
يعتبر تنفس الآن أول مكان في المملكة يستخدم reverse vending machine، اللي فكرتها: حط البلاستيك اللي عندك لإعادة تدويره، واحصل على نقاط شراء من المقهى. نجحت فكرة الآلة وتفاعل معها الناس حتى إن الشركة المصنّعة نقلت إن استخدام الشركة في الفرع تجاوز استخدامها في فروع دول أخرى.
يقدّم تنفس أيضًا محفّزات للأشخاص اللي يجون على دراجة، أو يستخدمون سيارة كهربائية.
إضافةً إلى ذلك، يستخدمون آلة تحلية مياه من شركة ألمانية، ويقدّمونها للزبائن كمياه شرب مجانيّة ويستخدمونها في صنع قهوتهم. كل هذا يظهر لك التكامل في تطبيق التقنيات اللي تتماشى مع رسالة المكان، وتعزز هويته أكثر عند الزبائن والمجتمع.
هذا أيضًا حفّز الشركات إنهم يعقدون شراكات ويقدمون خدمات ومنتجات للمكان تماشي هويته. مثلًا، كوّنوا اتفاقية مع جهة لتدوير نفاياتهم، وجهة لإدخال الألواح الشمسية في بعض إضاءات المقهى.
قدرنا نخلي الناس يأخذوننا كتجربة. صرنا نقدّم تقنيات تظهر للأفراد والشركات قابلية استخدام هذه التقنيات. لما تبدأ مشروع يطرح فكرة معينة، بتلاقي الناس المهتمين تلقائيًا يجتمعون في هذا المكان. وإذا اخترت مركبة/وسيلة متداولة لإيصال هذه الرسالة، بيتوسّع استقطابك للأفراد والشركات. مثلًا، لو اخترنا إننا نسوي معرض يعرض وسائل صديقة للبيئة، راح نجذب ناس مهتمين في الموضوع فقط، مما يعني إن توسع رسالتي بيكون محدود جدًا. توظيف الوسائل الدراجة بيخدمك في إيصال رسالتك. وبالطبع، توقع انك بتواجه صعوبات معيّنة. كعمل يهتم بالاستدامة، نتمنى نجد خيارات وتقنيات داعمة مستدامة أكثر مثل أنظمة التكييف والتبريد والإضاءة. وعلى صعيد المنتجات اللي نقدمها (القهوة كمثال)، نتمنى نجد آلة اسبريسو صديقة للبيئة، يا إما من خلال توظيف إعادة الاستخدام، أو تقليل استهلاكها الكهرباء مثلًا.
النقطة الأخرى هي: احرص إن بيئة المكان تماشي رسالتك وهويتك. تنفس يغلب عليه روح الانسجام واللي تكوّن من حرصنا على العائلة. استفدنا في المقهى من الخبرات العائلية، وظهرت فيه روح العائلة من ناحية الدعم، والتنفيذ، والإدارة، واستخراج بعض المنتجات. هذا انعكس تلقائيًا على الموظفين. صاروا يشتغلون كأنهم عائلة، وانعكس بعدها على الزبائن لأنها حلقة متصلة. هذه النقطة عزّزت هوية المكان ورسالته، وساعدنا إن الناس يحبون المكان عشان روحه مو بس عشان منتجاته وخدماته.
يعتبر إكسير البُن واحد من أول مقاهي القهوة المختصة في الرياض، والرائدة في المملكة. هويته بدأت واستمرت بتمحورها حول “كوب القهوة” ورفعه من مجرد عمل روتيني لتجربة متكاملة تستشعر كل تفاصيلها.
بدأ إكسير البن في شهر ٣ من عام ٢٠١٥ بعد تجربة أحد ملّاك المقهى لقهوة مميزة ومختصة خلال واحدة من رحلاته.
فكّر بعدها بتجربة القهوة في المملكة، وكيف إن الخيارات وقتها تقتصر على المقاهي الأجنبية.
من هذه الرحلة بدأ الإلهام.
بعد عدد من الدورات، والسفرات، والتجارب، بدأوا في فرع النخيل: مقهى صغير جنب جامعة الملك سعود كان يخدم طلاب الجامعة أكثر شيء. استمر الهدف الأساسي مع توسّع الفروع: صنع تجربة للقهوة المختصّة بأعلى المعايير.
حتى يحافظ إكسير على هذا الهدف وهذه الهويّة، تجد عندهم “معهد” يدرّب كل الموظفين من أول يوم لهم وتستمر الدورات التدريبية طوال فترة عملهم مع إكسير. (اقرأ: دليل تهيئة وتدريب الموظفين في قطاع التجزئة وقطاع المطاعم والمقاهي [يشمل نماذج جاهزة للتحميل])
يدعم إكسير أيضًا في هويّته كل ماهو محلي، فهو مقهى قهوة مختصّة محليّة: من المزارع، للبن، للموظفين (٩٨٪ منهم سعوديين)، وللفنانين اللي يتعامل معهم إكسير في تصميم الفروع، واللي يستعرض إكسير فنونهم داخل فروعهم.
قد يكون الوقت (الدخول المبكر للسوق) عامل ساعد إكسير جدًا في صنع قاعدة عملاء، إلا إن الشيء اللي ساعدهم يحافظون على هذه القاعدة ويبنون عليها حتى بعد ٧ سنوات من افتتاح أول فرع:
يعرفون نقطة قوّتهم (القهوة) ومستمرين في تحسين تجربتها لكل شخص يزور المكان!
هويّة إكسير واضحة، قد يكون لكل فرع تصميم مختلف نوعًا ما، إلا إنه هناك جانب مشترك تستطيع ملاحظته في كل فرع.
إضافةً إلى ذلك، يتولّى المؤسسين لإكسير معظم ملاحظات ورسائل وتوجيهات العملاء بأنفسهم، ويتعاملون معها بشكل مستقل ولا يمكن تجاهل أي كلمة أو ملاحظة.
وأخيرًا: إكسير يقدم تجربة تتجاوز كوب القهوة، تبدأ من محتوى الكوب الاستثنائي.
النقطة اللي اشتركت فيها كل المقاهي المذكورة هي إن عندهم نقطة تركيز واضحة.
لذلك، إذا ركّزت على نقطة قوّتك (رسالة، أو منتج، أو خدمة، أو تجربة) بتقدر توظّف كل العوامل اللي داخله في المقهى لدعم هذه النقطة.
بتقدر من هنا توصل للناس المهتمين، وتجذب غيرهم!